دروس من الحج

لا يختلف أحد على أن الرحلة إلى البيت العتيق لا تعدلها رحلة أخرى إلى أي بقعة من الأرض ، و الحج مدرسة إيمانية عظيمة ، وكم في هذه الرحلة من عظات ودروس مستفادة، ووقفات ولمحات ونفحات!
  ومن بين هذه الدروس المستفادة من رحلة الحج ما يلي:

تحقيق تقوى الله عز وجل بتوحيده والتجرد لله تعالى
فيلبس الحاج ثيابه البيضاء والتي هي أقرب ما تكون شبها بالكفن ، فيتجرد من الدنيا ويترك أهله ووطنه وماله وتجارته ويتوجه لله وحده
وتقوى الله عز وجل لا تكون إلا بتوحيده وذلك بإفراده سبحانه بالعبادة وعدم إشراك أحداً مع الله تعالى في عبادته وهذا يتجلىواضحاً في الحج فإن الحجاج يجيبون رباً واحداً قائلين لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وهذا هو التوحيد




الحج يذكر بيوم القيامة
 فإن مسير الحجاج من منى إلى عرفات ومن عرفات إلى مزدلفة ثم إلى منى وهم يسيرون في وقت واحد وفي اتجاه واحد يذكر المسلم بيوم القيامة فلقد شبه الله تعالى مسير الناس يوم القيامة بأنهم كأنهم يسيرون إلى علم أو راية فقال سبحانه :{ يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نصب يوفضون *خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون } ( سورة المعارج)
الأسوة والاقتداء
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ}.. أي اقتداء بأبي الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام، الذي ترك وطنه وقومه وهاجر لله وقال: {إني مهاجر إلى ربي سيهدين}، وليس ذلك فحسب بل لقد ترك زوجه وولده لله أيضًا: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ}.
وكذلك يفعل الحاج.. يترك الديار ويفارق الأهل والولدان فرارًا إلى الله، ولسان حاله يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.




الإذعان والتسليم المطلق لله تعالى
فالمؤمن يسلم أمره لله تعالى ويذعن إذعانا مطلقا لله الذي بيده مقاليد الأمور كلها ، ونجد ذلك واضحًا كل الوضوح في موقف سيدنا إبراهيم- عليه السلام- من ذبح ولده إسماعيل.. فقد أمر إبراهيم عن طريق رؤيا رآها أن يذبح ولده إسماعيل، فلم يتردد أو يسأل عن السبب؛ حتى لا يقدح في إيمانه بربه ويقينه به وثقته فيه، بل أذعن إذعانًا خالصًا لم تشبه شائبة
وكذلك موقف ابنه اسماعيل في قبول الأمر الرباني بذبحه وإذعانه له
وكذلك موقف هاجر عندما تركها إبراهيم  بين الصفا والمروة.. قالت له يا إبراهيم: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لن يضيعنا .




إعلان العداوة للشيطان وأعوانه
وليس هناك أوضح ولا أبين من إظهار هذه العداوة، ورفع شعارها في شعيرة رمي الجمرات «وذكر ابن كثير فيما رواه ابن عباس- رضي الله عنهما- أن إبراهيم عليه السلام لما أمر بالمناسك عرض له الشيطان عند السعي، فسابقه فسبقه إبراهيم عليه السلام، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات».




البذل والتضحية والصبر على طاعة الله
نرى ذلك واضحًا في موقف الخليل إبراهيم الذي ضحى بولده الذي جاءه وقد بلغ من الكبر عتيًّا .
ونراه أيضا عندما نرى الحاج وقد جمع نفقة الحج بشق الأنفس شوقا لزيارة بيت الله الحرام وأداء فريضة الحج .
ولكي يؤدي الحاج حجه فإنه يعرض له الكثير من المشقةوالتعب ويواجهه الكثير من الزحام والبقاء مدة طويلة في الانتظار وهذايعودّه على الصبر على طاعة الله عز وجل
وحدة المسلمين
فالبيت الذي يطوفون حوله هو بيت واحد (بيت الله الحرام)، والإله الذي يعبدونه إله واحد، والقبلة التي يتوجهون اليها في صلاتهم هي قبلة واحدة، والنسك التي يؤدونها واحدة لا اجتهاد فيها «خذوا عني مناسككم».. والزي الذي يرتدونه زي واحد، كما أن الهدف الذي جاءوا من أجله إلى هذا المكان هدف واحد، والنشيد الذي ينشدونه في عرفات الله نشيد واحد «لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك».
- وحدة في الزمان {الحج أشهر معلومات}.
- وحدة في المكان (البيت الحرام).
- وحدة في الشعائر والمناسك {وليطوفوا بالبيت العتيق}.
- وحدة في المشاعر والعواطف.
فيتعلم المسلمون معنى الوحدة ، فحجاج  بيت الله الحرام تختلف بلدانهم ولغاتهم وألوانهم لكن يجمعهم شيء واحد هوالإسلام فيجتمعون في الحج وتبلغ أعدادهم ملايين الأشخاص وينتقلون من مشعرإلى مشعر في منظر يشعر بالرهبة ويدل على أن قوة المسلمين هي في اجتماعهم على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا يغيظ الشيطان كما ورد ذلك عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم فما رئي الشيطان أصغر ولا أحقرولا أذل منه في يوم عرفه إلا ما رئي من يوم بدر وهذا يغيظ أعداء الرحمن وأولياء الشيطان



.
الحج يبرز الأخوة الإسلامية :
 فإن الأخوة بينالمسلمين تبرز في الحج وتختفي الفوارق بينهم ونرى التعاون والتآلف والمحبة في أروع صورها فنجد أن القوي يعين الضعيف ومن يمتلك الطعام يطعم من لا طعام لديه ، وهكذا نشعر بمعنى الأخوة الحقيقية بين المسلمين




الحج يعوّد المسلم على الدعاء:
 فإن الله قريب يجيب دعاء السائلين ولقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فضل الله تعالى كبير وأنه سبحانه وتعالى يستجيب دعاء السائلين ويعتق عباده في يوم عرفة أكثر مما يعتقهم فيما سواه من الأيام ،  ولذلك فإن اعتياد الحاج على الدعاء في هذه الأيام يجعله يعتاده فيما بعد ويشجع غير الحاج على دعاء الكريم سبحانه الذي وعد بإجابة الداعين فقال : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } (  سورة البقرة )
فهذه بعض الدروس المستفادة من رحلة الحج ، وفي الحقيقة فإن دروس الحج  لاتنقضي .
نسأل الله أن يجمعنا على صعيد عرفات وأن يتقبل من حجاج بيته الحرام .